الولاء
أثير مؤخراّ النقاش حول قضية تقديم الولاء،بين معارض ومؤيد،واختلفت الردود والآراء،وناصر كل رأيه سواء من موقعه،أو بواعز من هدف مضمر
البعض رأى في حفل تقديم الولاء مذلة وخضوعا لغير الله،والبعض رأى فيه تقليداّ وتراتاّ لابد من المحافظة عليه بإعتباره طقساّ يجسد هوية بلد ضربت جدوره في التاريخ وأطلت أفنانه على المستقبل دون التنصل للماضي..
إن أهمية النقاش تكمن في إحياء طقس بشكل عقلاني وثقافي،حيث تتجلى الإشكالية في كون حفل مراسيم الولاء ليست وليدة اليوم أو الأمس،بل هي ضاربة في تاريخ الدولة العميقة.
الأمر الذي يدفعنا إلى طرح العديد من الأسئلة،هل هذا النقاش الحاصل الآن كان له مثيلاّ في الحقبة المنصرمة؟ هل أثيرت هذه الأسئلة لكن في صمت،خوفاّ من العقاب وتهمة المس بالمقدس؟ ولمذا هذا السجال ؟ وفي هذه الظرفية الراهنة؟ وهل الأمر يتعلق بالولاء كمفهوم أم بطقوسه؟
لمناقشة هذه الأسئلة سنقسم الموضوع حسب التصميم الآتي:
المطلب الأول : تعريف الولاء
المطلب الثاني : الرافضون لمراسيم الولاء
المطلب الثالت: المؤيدون لمراسيم الولاء
المطلب الأول: تعريف الولاء
يرى ( جـوزايـا رويـس ) إن إدراك الواجب في ضوء مفهوم الولاء , والذي حاول توضيحه لم يمتد ليشمل المجال الأخلاقي فقط , وإنما يمتد ليؤثر في نظرة كثير من الناس لكل من الحق والواقع والدين , فيقول ... ولئن قد قمت بعرض آرائي الفلسفية العامة في كتب متنوعة وبصورة تفصيلية في كتابي المعروض في جزئين ... بعنوان " العالم والفرد " وليس لدي ما أضيفه لآرائي الميتافيزيقية الرئيسة إلا أني لم أقدم أي عرض شامل لآرائي الأخلاقية منذ العرض المختصر الذي قدمته للمشكلات الأخلاقية في الجزء الأول من كتابي " الجانبي الديني للفلسفة " ( طبع عام 1885) ولما كان الإنسان ينضج أخلاقيا مع مرورالعمر فإني أعتقد أن عملي هذا , قد يساعد على الأقل بعض القراء , على إدارك أن الفلسفة المثالية التي دافعت عنها طويلا , ليست فلسفة منفصلة عن الحياة العملية , بل على صلة وثيقة بأمور الحياة العملية, وان كلا من الدين والحياة العملية , قد يحققان الكثير, من وجود ارتباط ووحدة صحيحة , تقوم بين الأخلاق ونظرية فلسفية عن العالم الواقعي .
حقيقة أن الولاء كلمة قديمة ولها قيمتها الخاصة والفكرة العامة عن الولاء اسبق زمنيا من الكلمة نفسها بل وأكثر قيمة ولكنها تظل دائما فكرة مشوشة غير واضحة في عقول الناس بسبب علاقتها بمسائل أخلاقية واجتماعية , فكل فرد سمع كلمة الولاء ويمدحها الكثير من الناس ولكن عددا قليلا جدا من يفهم معناه الحقيقي ويدركها بوصفها محور كل الفضائل والواجب الرئيسي بين كل الواجبات
ولكي يستطيع المرء أن يدرك هذا المعنى الأصيل للولاء عليه أن ينقي الكلمة من الشوائب التي علقت بها من ارتباطها بهذه أو تلك العادة الاجتماعية , ولن يستطيع تحقيق ذلك إلا إذا عرف المصطلح تعريفا دقيقا وبصورة أكثر تحديدا وضبطا عن تلك التي يتناولها التعبير الشائع , والواقع أن تخليص ( فكرة الولاء ) من كل ما قد يكون قد علق بها من تفسيرات خاطئة أو علاقات زائفة بأفكار أخرى وإثبات أن روح الولاء هي روح الحقيقية للحياة الأخلاقية والعاقلة للإنسان – وهو ما يعتبره ( جـوزايـا رويـس ) جديدا في فلسفته عن الولاء .
الولاء في اللغة : اسم مصدر من والى يوالي موالاة وولاء، قال في لسان العرب ما خلاصته : الموالاة كما قال ابن الأعرابي : أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح، ويكون له في أحدهما هوى، فيواليه أو يحابيه، ووالى فلان فلانا إذا أحبه، والولي فعيل بمعنى فاعل، ومنه وَلِيَه إذا قام به، ومنه قول القرآن : (الله ولي الذين آمنوا) الآية 257 البقرة، ويكون الولي بمعنى مفعول في حق المطيع، فيقال : المؤمن ولي الله ووالاه موالاة وولاء، من باب قاتل أي تابعه.
معنى الولاء في الشرع : فهو تولي العبد ربه ونبيه باتباع الأوامر واجتناب النواهي وحب أولياء الله من المؤمنين.
المطلب التاني: الرافضون لمراسيم الولاء
تجب التفرقة هنا بين الرفض للولاء والرفض لطقوس الولاء، فالرافض للولاء هو في الأصل رافض لثالوت الولاء ( الله،الوطن،الملك)وبالتالي هو يدخل ضمن تيار ثالت لا يطالب بالملكية ولكن يسعى إلى نظام جمهوري أو أي نظام آخر غير ملكي.
غير أن الفئة التي تهمنا هي الفئة المسلمة بالولاء والقائلة به،لكن الرافضة لطقوسه وكيفية التعبير عنه، إذ ترى في مراسيم الولاء:
_ ركوعا لغير الله عز وجل
_ تقديساّ لاهوتيا يحمل في طياته نوعاّ من العبودية
_ ترسيخا لمبدأ الراعي والرعية
_ إعطاء فكرة للرأى الدولي عن إنعدام الحرية وترسيخ التقافة البدائية
وترى هذه الطائفة أن الولاء وإن كان ذا مرجعية إسلامية ،فهو لا يجب أن يقرن بطقوس مسرحية،بل يجب أن يقرن بالعمل من أجل المصلحة العليا للبلاد، من خلال :
_ محاربة الفساد
_ محاربة الرشوة والزبونية والمحسوبية
_ الولاء الفعلي للملك من خلال تطبيق مقترحاته
_ التقديس الفعلي للملك من خلال العمل الجاد لخدمة الشعب وفئاته
المطلب الثالت: المؤيدون لمراسيم الولاء
يحاول البعض الحفاظ على الثرات من خلال إحياء العيطة،أو النبش في ثرات الحلقة أو الملحون،لأجل هذف واضح هو الحفاظ على إستقلالية تقافة بلد معين،إذ لا وجود لحضارة دون تقاليد وتقافة، لأجل هذا الهدف يقول المؤيدون لمراسيم الولاء بضرورة إستمرارية هذا الطقس الذي يعود لحوالي 500 سنة فارطة.
ويفندون تبريرات الرافضين بما يلي:
_ ينحني الصيني مبتسما لشخص لا يعرفه عربونا على المحبة والسلام،فالركوع الغير القصري هو رمز للمحبة والقوة والإحترام في ذات الآن
_ يحافظ البارونات في بريطانيا على طقوس الباروكات تذكيراّ بأمجاد يفتخرون بها،وبالتالي المحافظة على طقس الولاء هو تمجيد لعظمة أمة وإلتحام ملك بشعب
_ محاربة الفساد ليست حكراّ على فئة منتخبة معينة بل هي مطلب جماعي يزاوله الملك والناخب والمنتخب
_ محاولة نفي هذا الطقس هي عمل خارجي هدفه زعزعة النظام والتخريب .
إن الأراء المطروحة من خلال الفئتين معاّ هي نقاشات صحية في حقيقة الأمر ، إذ لا يختلف أصحابها في فكرة الولاء بقدر إختلافهم في كيفية تقديمه، نقاش نابع من غيرة على هذا البلد الأمين، ومن أجل مصلحة هذا الشعب المحب.
نقاش إن دل على شئ،فإنما يدل على المستوى اللابأس به الذي وصلته حرية التعبير، نقاش يجب أن يقرن بالتفعيل ليصبح للولاء معنى ،لا مجرد طقس سنوي.