المنتدى العربي للعلوم القانونية
المنتدى العربي للعلوم القانونية
المنتدى العربي للعلوم القانونية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى العربي للعلوم القانونية

ماستر التقنيات البديلة لحل المنازعات وماستر العلاقات الدولية
 
الرئيسيةمنتدى القانون اأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» الطعن في أوامر الهدم بالإلغاء والتعويض أمام القاضي الإداري بالمحكمة الإدارية
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالثلاثاء أبريل 12, 2016 2:42 am من طرف عبدالرحمان مغاري

» بخصوص القضاء الاداري : دراسة تشمل القانون التنظيمي الجديد للجماعات الترابية
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالثلاثاء أبريل 12, 2016 2:25 am من طرف عبدالرحمان مغاري

» المسطرة المدنية المعمقة
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالجمعة يناير 09, 2015 3:02 pm من طرف laaroussi Gnaissa

» قراءة في قانون رقم 08.05 المتعلق بالتحكيم الداخلي : بقلم ذ محمد طارق أستاذ بكلية الحقوق المحمدية
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالثلاثاء يناير 06, 2015 3:38 pm من طرف laaroussi Gnaissa

» التأصيل الفلسفي للمبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف laaroussi Gnaissa

»  التطور التاريخي لمبادئ المحاكمة العادلة
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالأحد ديسمبر 21, 2014 9:46 pm من طرف laaroussi Gnaissa

» المفهوم الإصطلاحي للنزاع وتمييزه عن المفاهيم المشابهة له
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالثلاثاء ديسمبر 16, 2014 4:25 pm من طرف laaroussi Gnaissa

» التقرير السادس 09/12/2014
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالثلاثاء ديسمبر 09, 2014 2:47 pm من طرف laaroussi Gnaissa

» التقرير الخامس 08/12/2014
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالإثنين ديسمبر 08, 2014 3:48 pm من طرف laaroussi Gnaissa

سحابة الكلمات الدلالية
التعمير الدولية مفهوم
أفضل 10 فاتحي مواضيع
laaroussi Gnaissa
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_rcapهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_voting_barهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_lcap 
عبدالرحمان مغاري
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_rcapهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_voting_barهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_lcap 
saad
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_rcapهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_voting_barهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_lcap 
حسن الفن
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_rcapهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_voting_barهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_lcap 
جناح المصطفى
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_rcapهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_voting_barهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_lcap 
brahim
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_rcapهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_voting_barهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_lcap 
جمال عبد الصادق
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_rcapهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_voting_barهل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 I_vote_lcap 
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 22 بتاريخ الإثنين يونيو 08, 2020 2:59 am
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 39 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو chahid فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 488 مساهمة في هذا المنتدى في 182 موضوع
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر

 

 هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسن الفن

حسن الفن


عدد المساهمات : 71
تاريخ التسجيل : 08/04/2012
العمر : 48

هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Empty
مُساهمةموضوع: هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3   هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3 Emptyالأربعاء مايو 23, 2012 7:45 am

[size=18][font=Times New Roman]]size=18]هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3

منصف المرزوقي

4-القضاء المستقل .
لقد طرحت مثل هذه الإشكالية عندما بدأ القضاة في إيطاليا وفرنسا في نهاية سبعينات القرن الماضي يتابعون رجال السياسة في قضايا الفساد فضجّوا بالشكوى من ''الاستبداد بالقضاء '' وهو مفهوم مضحك لكن ثمة فعلا إشكالية حقيقية هي قضية من يحاسب القضاء بما انه مستقل عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ويمكن أن يحمي نفسه حتى من سلطة الصحافة ؟
ففي نظام ديمقراطي تشكّل المسؤولية جزءا لا يتجزّأ من الحقوق والواجبات ، فرجل السياسة مسؤول أمام الشعب ومسؤول أمام القضاء ناهيك عن مسئوليته أمام حركته السياسية أو عن مسئوليته تجاه ضميره .
كذلك ترى رجل الإعلام مسؤولا أمام هيئته المهنية والقضاء في حالة التجاوزات .
فمن يضمن أن القضاء المستقل لا يرتكب هو نفسه أخطاء وتجاوزات هي من صميم طبيعة البشر والتعقيد المتصاعد لمشاكلهم ؟
إن الخوف من قضاء لا رقابة عليه لأنه هو الرقيب على كل شيء ، مشروع حيث لا يوجد بشر معصوم من الخطأ ولا توجد مؤسسة لا تميل إلى الطغيان إن لم تجد قوّة مضادّة تحدّ من شططها .
وثمة بالطبع آليات التنظيم الداخلي لكل مهنة ومؤسسة فيترك للقضاء حق التتبع والجزاء لكن من الضروري أن تكون هناك عين خارجية تقيّم فعالية القضاء وحياده واستقلاليته ونزاهته وتنشر تقريرا وتتقدم بتوصيات للقطاع وللجهاز التشريعي الذي لا ننسى أنه مصدر القوانين التي يسهر القضاة على تطبيقها .
ويمكن لهذه الهيئة أن تتألف من طيف المجتمع المدني ومن مختصين لضمان الأقصى من الموضوعية والنزاهة .
*
وفي آخر المطاف فإن أيّ آلية مراقبة نضعها لا يمكن إلا أن تخضع هي الأخرى لقاعدة لا إيجابيات بدون سلبيات .ومهما حاولنا الخلق والابتكار فلا بد أن تجد قيم الأرستقراطية وممارساتها منفذا ومهما بنينا من دعامات صلبة مثلما لا بدّ أن تحدث أشياء وتطورات لم نقرا لها حسابا ، ولا بدّ للزمن أن يفعل فعله في ما نظنه أزليا .
وقد يكون من الأضمن أن نبني مؤسساتنا الديمقراطية انطلاقا من هذه الخصائص المهيكلة التي لا يمكن أن نقفز عليها أي أن نبنيها ونحن نعلم أنها ستبلى وتهرم وستتكلّس وسيدبّ فيها الموت ، وستصبح جزءا لا يتجزّا من نظام استبدادي جديد .
والسؤال كيف نخرج من هذه المفارقة ؟
إن الردّ هو ما تقدمه لنا الطبيعة فهي تراهن على التجدّد وليس على البقاء الأزلي لأيّ شكل من الأشكال التي تخلقها . يجب إذن أن نحفظ ديمقراطيتنا بشحنها بقوّة التجدّد التي تمكنها من إعادة الانطلاق في ثوب آخر كلما استهلك الزمن شكلا قديما لها أو كلما استطاعت الأرستقراطيات المخفية الاستيلاء على مفاتيح القلعة المحاصرة باستمرار من الخارج والتي تسرب لداخلها اكثر من عميل .
ولا يوجد ضمان للتجدّد وينبوع لا ينضب له قدر المجتمع الديمقراطي الذي إن لم ننجح في إيجاده كنا كمن يبني مؤسسات الدولة الديمقراطية على دعامات من طين
المجتمع الديمقراطي
هو المجتمع الذي يتعايش فيه أشخاص أحرار ومسؤولون .
وهم أحرار لأنهم يختارون مواقفهم لا تحت الضغط والإكراه وإنما عن قناعة نابعة من داخلهم بأن هذا الرأي أفضل من ذلك وهذه السياسة اضمن لمصالحهم من تلك وهذا الشخص أقدر من شخص ثاني على الدفاع عنها
وهم مسؤولون لأنهم يدركون أن حريتهم تتوقف أين تبدأ حرية الآخر وان حقوقه هي واجباتهم بنفس الصفة التي يريدون أن تكون حقوقهم واجبات الآخرين .
إن من ينظم الحرية المسؤولة أو المسؤولية الحرّة في مثل هذا المجتمع هو القانون الذي يحدّ من الحرية للحفاظ عليها ويوزّع المسؤولية على الجميع بكيفية عادلة تعلق الأمر بصبغتها الإيجابية أو بصبغتها الجزائية .
ولا شيء يعكس بعد مجتمعاتنا العربية عن مجتمع الأحرار المسؤولين قدر طبية القانون الذي يحكمنا وعلاقتنا به .
فنحن ، نخشاه ولا نهابه ، نخضع له ولا نحترمه ، نستسلم له ولا نسلّم به ، نتحايل عليه ونخرقه كلما سنحت الفرصة ، لا نؤمن به وإنما بالواسطة ، نتعامل معه مثل ما نتعامل مع شرّ لا بدّ منه .
وهذه اسواط متعدّدة لمن يحب جلد الذات وكلمات تستخرج من سياقها لمن يريد التدليل على عدم أهليتنا بالديمقراطية .
إلا أننا سنظهر خور الموقفين لأن هذه العلاقة بالقانون ليست معطى ثقافي ناجم عن طبيعتنا الشرسة المتخلفة وإنما هي ردة الفعل الطبيعية والسوية للمجتمع تجاه غطرسة الأرستقراطيات الحاكمة وتغليفها لاستبدادها بالشرع والقانون .
إن مفهوم دولة القانون الذي أطلق في تونس في بداية الثمانيات كبديل لدولة الاستبداد قد عرف مصيرا لم يتوقعه أحد حيث تحققت فعلا دولة القانون ولكن أي قانون . فقد أدين الديمقراطيون بموجب قانون الصحافة وقانون الأحزاب والجمعيات ونظمت مهرجانات انتخابية بائسة باسم قانون الانتخابات واستصدرت السلطة الاستبدادية كما هائلا من التشريعات التي صادرت باسم القانون ابسط الفضاءات الباقية للحرية مثل قانون المطبوعات وقانون الإعلام المسبق بالاجتماعات الأكاديمية وبفحوى الأوراق المقدمة وقائمة المشاركين الخ .
وهكذا اتضح للحركة الديمقراطية عمق الشرك التي وقعت فيه عندما ظنت أن القانون لا يكون إلا الاسم الآخر للعدل والحق والحال أن النظام العنصري في جنوب أفريقيا إبّن زمن الفصل العنصري حكم بالقانون وأن الاستعمار انتصب في بلداننا مستندا إلى معاهدات أعدها جهابذة من رجال قانونه .
إن الملاحظة البسيطة لواقعنا العربي تظهر بما لا يدع مجالا للشكّ أن للقانون في المجتمع المحكوم من قبل دولة استبدادية سبع خصائص رئيسية .
1- هو موضوع من قبل من ليس لهم الحق في وضعه .
إن القوانين التي تحكم المجتمعات المعاصرة غيبت المصدر القديم للقانون الذي هو الإرادة الإلهية
واستبدلت المصدر القديم بما يمكن تسميته العقل أو الضمير الجماعي ممثلا في الشعب وهذا الشعب لا يمكن أن يسنّ كل القوانين التي تنظم حياته ومن ثمة فإنه يعهد بالعملية لممثليه ليترجموا رؤيته وخياراته عبر سياسة معينة تخدمها قوانين تسنّ باسمه .
إن أول شرط لشرعية القانون الذي يسنّه ممثلو الشعب أن يكونوا هم أنفسهم شرعيين أي أن تفرزهم انتخابات حرة ونزيهة وأن يتمتّعوا طيلة نيابتهم بثقة الناس واحترامهم .
لكن الانتخابات في الأنظمة الاستبدادية مجرد غطاء عصري لإرادة الفرد وذلك وفق طقوس مهمتها إضفاء شرعية زائفة على من ليس له شرعية نظاما وأشخاصا .
وإنها لمفارقة غريبة أن هؤلاء الناس الذين انتحلوا صفة هي صفة ممثلي الشعب سيصدرون القوانين التي تعاقب جرائم التزييف وانتحال صفة الطبيب أو المحامي بكذا وكذا سنة سجن .
إن اعمق الطبقات الحاملة للبرلمان العربي هي صفقة بين القوة والانتهازية . فمن جهة هناك قوة الاستبداد المتمثلة في الجهاز القمعي من جيش وبوليس وإدارة ومال تخدم مصلحة المستبدّ الظالم وبطانته ، ومن جهة أخرى هناك ''كومبارس '' يقبلون في مقابل جزء من الجاه بالقيام بدور التغطية وانتخابهم هو عادة نوع من الرشوة السياسية التي يشتري بها المستبدّ سكوتهم على الاستبداد والمشاركة في أرباحه .
وهكذا يبنى من الأساس القانون على اللاقانون وتنطلق الشرعية من اللاشرعية ونحن أمام حالة تشبه بناء عمارة شاهقة على دعامات من الإسمنت المغشوش .
2-هو قانون خارج على القانون الدولي وروح العصر
إن اغلب القوانين التي تنظم حياتنا السياسية منافية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنافية للعهود والمواثيق الدولية
وذلك بالأساس في موضوع الحريات الفردية والعامة ولكن حتى في مجالات أخرى مثل إلغاء عقوبة الإعدام .فالحق في الحياة مضمون بالمادة الثالثة للإعلان العالمي والمادة الأولى للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .ويقول المشرع العالمي في المادة السادسة : ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرّع به لتأخير أو منع إلغاء عقوبة الإعدام من قبل أي دولة طرف في هذا العهد . ورغم هذا الإقرار الواضح والصريح بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام أو التعجيل بإلغائها فإن القانون في كل أقطار الأمّة لا زال يعمل بهذه العقوبة البشعة .
3- هو تشريع وتطبيع للاستبداد الفردي .
يفضح القانون الأول الذي نسميه أيضا الدستور طبيعة الصفقة بين الراشي أي السلطة التنفيذية والمرتشي أي ''نائب الشعب '' .
فهذا الدستور في تونس مثلا يضع كل السلطات في يدي رئيس الجمهورية وربما لا يوجد في أي بلد في العالم رئيس جمهورية يتمتع بسلطات رئيس جمهورية تونس فهو حسب الفصول49و50و51 و55و 59 و63 و 66 رئيس السلطة التنفيذية ورئيس السلطة التشريعية ورئيس السلطة القضائية . إضافة لهذا لا يوجد فصل واحد مثلما هو الحال في كل دساتير العالم وحتى في بلد مثل مصر أدنى إشارة لمسؤولية الرئيس جزائيا أو سياسيا . وإذا أضفنا لهذا قضية الرئاسة مدى الحياة في الدستور السابق وإمكانية تجددها عبر استفتاءات متتالية في الدستور الحالي لنيابات أخرى، فإننا نجد أن هذا الدستور جعل من رئيس الجمهورية كائنا له العصمة البابوية .
4-هو مجعول للتضييق على الحقوق والحريات .
إن مهمة القانون في بلداننا العربية ليست إيصال الحقوق والحريات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإنما التضييق عليها بكل الوسائل والتعلات .
إن المتأمل في القوانين التي تنظم حق الرأي وحق التنظم وحق التظاهر وحق الانتخاب مواجه بظاهرة التقييد والتحجيم والعرقلة والمنع .
فالفصل الثامن للدستور التونسي مثلا يقول بصريح العبارة '' حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر والاجتماع وتأسيس الجمعيات مضمونة لكنه يضيف '' وتمارس حسب ما يضبطه القانون ''.
ومن نافل القول أن القانون الذي سينظم هذه الحريات سيتدبر أمره ليجعل ممارسة هذه الحقوق شبه مستحيلة نظرا لكثرة القيود والموانع
إن أحرار تونس يوجهون منذ ثلاثين سنة نفس التهم المبتذلة حول ''الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها وثلب النظام العام وترويج أخبار زائفة من شانها تعكير صفو الجوّ العام '' وهي الأسماء التي تطلقها السلطة على محاولة ممارسة حق التنظم وحق الرأي المخالف .
ومنذ ثلاثة عقود والمحامون يلاحظون وكذلك المتهمون أن هذه التهم منافية لروح الدستور وأنها ظالمة ومجحفة ومخافة لأخلاق العصر ومبادئ المجتمع الدولي وقوانينه التي تكتسب الأولوية بما هي العقد الأكبر للإنسانية. فلا تنفع مثل هذه الملاحظات ويضيّع المحامون وقتهم ويدان المتهمون ظلما وإجحافا وينتصر تفسير دولة غير مقيدة بمحكمة دستورية لها القول الفصل عندما ينشب الخلاف حول تأويل النص
ولو كان الدستور واضحا كل الوضوح في كيفية ممارسة الشعب لسيادته لوضعت السلطة أمام خيار صعب أي تطبيقه أو الخروج عن الشرعية بصفة فجّة لكن هذا الغموض هو الذي سمح لنظام يذل الشعب ، بالتواصل خمسين سنة مستظلا بالدستور لا وبل مسميا نفسه باسمه.
وقد انتبه المشرع الهندي عند إقرار العقد الأساسي لمثل هذا الخطر ففصّل ووضّح بكثير من التدقيق كيفية ممارسة الحريات ليقطع خطّ الرجعة على كل سلطة استبدادية تريد استرداد ما يمنحه الدستور .
5-هو مطبوع بعقلية الزجر والترهيب :
يواجه المتأمل في القانون الجزائي الذي ينظم العلاقات بين الأفراد بالصبغة الإرهابية للقانون فابسط المخالفات تعاقب بالسجن وثمة شطط واضح في العقوبة بالقياس للمخالفة وهذا الأمر هو من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى اكتظاظ السجون .
ممّا يجعل منها بؤر الفساد وأكاديميات الجريمة التي أصبحت اليوم في كل البلدان التي تعيش في ظل الاستبداد .
ولا غرابة في هذا لأن من يسنّ القانون في خدمة أقلية تخشى على مصالحها وهي تستعمل القانون كسلاح للترويع لا كأداة لفرض التوازن داخل المجتمع وهو توازن لا يكون إلا بالعدل . ومن نافل القول أن القانون يستعمل كسلاح لفض أو للتغطية على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية كأن يكون السجن العقاب الآلي للسرقة أو البغاء دون الاهتمام لحظة بأسباب السرقة أو البغاء .
والقاعدة أنه بقدر ما يكون النظام استبداديا بقدر ما يكون القانون قمعيا لشل كل بوادر التمرّد الممكنة وقتلها وهي في بدايتها .
6-هو يطبق بمكيالين وعلى اضعف جزء من المجتمع .
إن الطموح السياسي للقانون أن يعلو ولا يعلى عليه أي أن يبسط سلطانه على كل فرد وكل مؤسسة وان يتساوى أمامه كل الناس وكل المؤسسات إلا إنه من البديهي أن القانون في أرض الاستبداد بعيد كل البعد عن هذه الصورة فثمة جيوب كاملة من المجتمع تسحب من سيطرته النظرية وهي بالأساس أصحاب السلطة وأعوانهم من رجال الأمن والقضاء والثروات الطائلة .
إن من يقتل نفسا بشرية عمدا يدان بأقصى العقوبات في أي بلد وخاصة في العراق ولكن إذا كان القاتل ابن صدام حسين فإنه سيفلت من العقاب بعد ''تدخل الجماهير'' . وفي مثل هذا النظام لا رقابة ولا محاسبة لأجهزة الأمن على عدد القتلى تحت التعذيب لأنه لقوات البوليس السياسي حصانة مطلقة .
وفي نفس السياق فإن سارق البيضة سيواجه بالصبغة الزجرية المفرطة للقانون في حين يبقى سارق المليارات صاحب النفوذ في البرلمان الذي يسن قوانين عقاب سرقة البيض .
وتعكس هذه الجيوب التي تعيش داخل المجتمع وفق قوانين خاصة مأساة ومهزلة القانون في ظل الاستبداد فهو لا يطبق إلا على القطاعات الاجتماعية التي ليس لديها وسيلة ضغط كافية للإفلات منه . وهكذا يتزايد تعفن العلاقة التي تربط الفرد والمجموعة بقانون يعرف الكل إنه يعبر عن إرادة ومصلحة الأقلية المستبدّة .
7-هو موكول في تنفيذه إلى سلط فاقدة المصداقية والاستقلالية .
إذا كانت السلطة التشريعية فاقدة المصداقية والهيبة نظرا لزيف تمثيليتيها وتبعيتها للسلطة التنفيذية فإن الوضع ليس احسن في خصوص من يسهر على حماية وتطبيق القانون . فأعوان الإدارة المكلفين بإنفاذ القوانين يعرفون استشراء المحسوبية والفساد . أما السلطة القضائية فهي مثل السلطة التنفيذية جزء تابع للجهاز التنفيذي ومن ثمة هي فاقدة الاستقلالية والهيبة والمصداقية ، بل هي اليوم إحدى ركائز الظلم بالقانون .
ولو جمعنا الآن كل هذه الخصائص لاتضح لنا أنها ليست سوى الأوصاف الكبرى لأوّل قانون هو قانون الغاب المتمثل في إملاء القويّ إرادته على الضعيف وإنما نحن هنا أمام قانون غاب وضعت على وجهه المساحيق حتى لا تبان نواجذ الذئب .
إلا أنك تلمس بكل وضوح وجود العنف الفجّ في كل مواصفاته .
فإن أنت واجهت قانون الصحافة والأحزاب بمحاولة الاصداع بالرأي المخالف أو التنظم المستقل عن السلطة مثلا يردّ النظام الاستبدادي بالعنف المباشر المتمثل في استعمال كل وسائل القمع المعروفة من سجن وتعذيب وحتى الاغتيال . فلا مكان هنا لآلية تحكيم سلمية مثل المحكمة الدستورية التي يمكنها الفصل بين تفسير السلطة للقانون وتفسير المواطن له لأن النظام الاستبدادي هو الخصم والحكم .
كما تتضح الصبغة العنيفة لهذا القانون لأن تجربة التاريخ تثبت أنه لا مجال للإصلاح داخل هذه المنظومات السياسية المبنية على العنف وأن الشعوب تصل في آخر المطاف إلى الالتجاء للثورة حتى يمكنها التخلص من قانون الغاب ومحاولة بناء صرح قانوني جديد .
*
إن تغيير السلوك المناهض للقانون الذي يظهر من خلاله المجتمع رفضه للاستبداد ليس أمرا بسيطا ولكنه ممكن جدا وهو لن يتزحزح قيد أنملة بالوعظ والإرشاد ولن يتغير في العمق مهما سلط من عنف .
إن بداية زعزعة جبل المواقف والتصرفات السلبية لن تحدث إلا بتغيير هيكلي عميق في طبيعة القانون الجديد وآليات سنه ومراقبته وتطبيقه .
وهذه مهمة موكول بها للنخبة الديمقراطية المؤمنة بأنها لا تأخذ السلطة لصالحها وإنما لصالح توسيع رقعة المواطنة ورفع عدد المواطنين وبناء المجتمع الديمقراطي .
إن خصائص القانون الديمقراطي التي تستطيع توليد حركة عميقة داخل المجتمع تغير بصفة جذرية علاقتهم ببعضهم البعض وبمؤسساتهم والمجتمع بصفة عامة هي عكس ما رأينا أي يجب أن تكون له الخصائص التالية
1-قانون يسنه من لهم الحق في سنّه .
إن الانتخابات الحرة والنزيهة هي الشرط الأول لكي يكتسب المشرع الحق في التشريع إلا أن هذه النقطة على أهميتها لا يجب أن تخفي عنّا بقية الإشكاليات الضخمة الأخرى
فثمّة عمل تشريعي جبار ينتظر النظام الديمقراطي أينما انتصب فوق أي قطعة من الوطن العربي حيث لا تكفي مراجعة القوانين التي تنظم الحريات السياسية وإنما يجب مراجعة جذرية للمجلة الجزائية التي تعكس الفلسفة القمعية الإرهابية الزجرية للنظام الاستبدادي وللمجلة الجبائية التي تعكس توجهات الاستبداد في استعمال الجباية كسلاح سلطوي لا كتنظيم عادل للمشاركة في تمويل الجهد الجماعي وتوزيع خيراته .
وثمة أيضا قانون الأحوال الشخصية الذي يعكس في اغلب الأقطار العربية الاستبداد الذكوري الأبوي والذي لا مجال في ظله لمجتمع ديمقراطي .
إن قوّة القانون في اعتبار الشعب له أنه يعبّر عن إرادته ويدافع عن مصالحه . لكن تركيبة البرلمان الديمقراطي وفق اكثر الانتخابات نزاهة وشفافية لا تعكس بالضرورة الشعب ككل فالتمثيل الأغلبي قد يقصي من موقع القرار جزءا يصل إلى 49 في المائة من المجتمع أما التمثيل النسبي فهو يعطي للأقليات وزنا رهيبا يفوق وزنها في المجتمع وذلك عندما تجد هذه الأقلية نفسها في موقع الحكم الذي يستطيع تغليب الكفة في صالح مجموعة غير قادرة لوحدها على الحكم . وهكذا ينشا القانون كتعبير عن مصالح أغلبية عددية تتغير طول الوقت بحكم التداول على السلطة أو كتعبير عن صفقات مشبوهة أبرمت في ظهر المواطنين .
وثمة خطر آخر قلما ننتبه إليه هو أن المبادرة التشريعية حتى في النظم الديمقراطية تكاد تكون من اختصاص الجهاز التنفيذي وحده والفرق الأساسي بين البرلمان الصوري والبرلمان الديمقراطي أن هذا الأخير يستطيع أن يرفض وان ينقح . والسبب في ذلك أن من يباشر المشاكل هو الذي يعرف أين توجد نقط الفراغ أو نقط الضعف أو نقط الخطأ في التشريعات السائدة . وقلما يكون هذه المعرفة في متناول نوّاب وقع اختيارهم لأسباب سياسية بحتة .
وهكذا نعود إلى إشكالية شرعية المشرعين لكن من باب آخر .
إن النظام الديمقراطي لا يحلّ إلا جزءا من إشكالية شرعية المشرع أو بالأحرى أن الانتخاب الحر النزيه هو شرط ضروري لكنه غير كاف .يبقى أن نتصوّر هذا الشرط الكافي وهو ليس بالضرورة تصور خصائص أخرى للنائب المشرع لأنها لا تلغي العيوب الهيكلية التي أشرنا إليها . وقد يكمن الحلّ في تصوّر جهاز موازي يكون برلمان كبرى منظمات المجتمع المدني يكون لها الحق في اقتراح مشاريع القوانين ومراقبة تلك التي تتقدم بها السلطة .
2-قانون في سياق القانون الدولي :
من تركيبة القانون الأساسية وجود سلّم يعطي اليد العليا للقانون الدولي على فالدستور ولهذا الأخير اليد العليا على القانون الإجرائي. فلا بدّ من مراجعة كل قوانيننا لتكون في انسجام تامّ مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات الدولية وخاصة العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
ولقائل أن يقول أن في هذا الأمر تخلي عن استقلالنا وخصوصيتنا وربط عجلة تشريعنا بالأجنبي الخ .
ولا بدّ من رفض مثل هذه التعلات جملة وتفصيلا لسببين رئيسين .
-الاستقلال بالمفهوم القديم أمر أنهاه التلوث والإنترنت والفضائيات والمعاهدات الإقليمية والدولية والعوامة الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية ولا يوجد اليوم بلد مستقل واحد أي سيد قراره مائة في المائة حتى ولو كان الولايات المتحدة وإنما هناك شبكة علاقات تستعصي على الحل تعرف نوعين من البلدان تلك التي تستطيع أن تؤثّر بقدر ما تتأثر وهذا حال القوى العظمى وبلدان تتأثر كثيرا ولا تؤثر في شيء .
-القانون العالمي مرفوض بالأساس من القوى العظمى الذي ترى فيه حدّا لجبروتها ولا أدل على ذلك من رفض الولايات المتحدة الأمريكية التصديق على اغلب المعاهدات العالمية منها المعاهدة الدولية لحقوق الطفل .
وهو مرفوض عادة لصبغته ''التقدمية '' ووقوفه بجانب العدل لا القوّة .
وقد يستغرب المرء أن يصدر قانون عادل من نقابة دول اغلبها استبدادية مثل الأمم المتحدة . إلا أن العجب يبطل بمعرفة السبب وهو أن القانون الدولي وفاق بين ممثلي خصوصيات ثقافية ومصالح اقتصادية ورؤى أيدلوجية متباينة ومتصارعة يتمّ على أرضية المبادئ والقيم التي لا يمكن لأي طرف أن يفرط فيها .
هكذا جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جامعا لحسنات النظام السياسي الديمقراطي الغربي والمشاريع النبيلة للكتلة الاشتراكية سابقا والقيم الدينية الأزلية . وهكذا يأتي القانون الدولي متقدما بأشواط بعيدة في ميدان الدفاع عن القيم الإنسانية على كل القوانين الوطنية .
ومن ثمة فإن تعديل قوانيننا على القانون الدولي ليس تخلي عن كرامتنا الوطنية وإنما تأكيد لها لأننا نعدّل ساعتنا على ساعة العصر المتقدّمة .
ومن البديهي أننا نستطيع أن نمارس خصوصيتنا بالمضي شوطا أبعد في ابتكار قوانين اكثر تقدما وعدلا أما أن تستعمل الخصوصية لكي نبرّر الوضع الدوني للمرأة والطفل والمعاق والسجين السياسي وسجين الحق العام والعامل والأجنبي والمتقاضي والمعارض السياسي فهذا ما يجب أن نرفضه بكل قوّة لأنه لا يعني شيئا آخر غير تواصل أو تغليف بقايا الاستبداد برداء الخصوصية .
3-قانون يضمن عدم رجوع استبداد الفرد .
إذا اعتبرنا أن الدكتاتورية مرض اجتماعي يبدأ بإصابة الجهاز السياسي الذي تنتقل منه العدوى إلى بقية الجسم وإذا اعتبرنا أن القانون الديمقراطي هو الدواء فإن علينا إحكام التصرف في مثل هذا الدواء حتى لا تتجدد الإصابة كلما شاء سوء طالع المجتمع أن يرتطم بشخصية مرضية أو بأزمات اجتماعية تسهل ظهور هذا النوع من المرضى .
إن التفريق بين السلطات وتوازنها أمر جدّ ضروري للحدّ من خطر تجدّد الاستبداد ، لكن هل يكفي الحد من سلطات رئيس الجمهورية بسحب السلطة القضائية من مشمولاته وجعل البرلمان في وضع يسمح له بسن القوانين التي يقترحها ورفضها ؟
إن هناك اكثر من تجربة تظهر أن مركز الثقل في الاستبداد يمكن أن يمرّ من رئيس الدولة إلى رئيس الحكومة مثلما وقع ذلك في إيطاليا العشرينيات وألمانيا الثلاثينيات وحتى في النظام البرلماني الديمقراطي كما وقع ذلك في هند السبعينيات عندما استطاعت '' انديرا غاندي '' أن تفرض على البلاد ولفترة وجيزة حكما شموليا .
إنّ التفريق بين السلطات وتوازنها شرط ضروري وليس شرطا كافيا ومن ثمة ضرورة مواصلة التفكير على ضوء كل التجارب لاكتشاف تنظيم يجعل الشطحات الاستبدادية داخل النظام الديمقراطية بالغة الصعوبة ولا نقول مستحيلة لأن قدر الديمقراطية طال الزمن أو قصر أن تلد الاستبداد مثلما هو محكوم على الاستبداد طال الزمان أو قصر أن يتمخّض عن نظام ديمقراطي .
وقد يكون هذا الشرط الإضافي الذي يجب للقانون أن ينظمه هو في ''إعارة '' أجهزة الدولة لكبار المسؤولين لا إعطائها لهم كما هو الحال حتى في النظم الديمقراطية .
إن طبيعة الأجهزة التي تشكل الدولة وخصوصا الجهاز العسكري والأمني هي الانضباط. وهذا الانضباط أمر ضروري وإلا أصبحت الأجهزة ، خاصة المسلحة ، خطر على الدولة والمجتمع. لكن هذا الانضباط يصبح لعنة عندما يتسلّل إلى موقع القرار مريض بالنرجسية والعنف فهو يحكم قبضته على جهاز مطيع يجعل منه لفترة طويلة أداة القمع ولا تخرج الأجهزة عن طاعة الدكتاتور إلا إذا فاض الكأس وعادة بعد خراب البصرة.
ولسنا هنا أمام خيار أيدلوجي من قبل الأجهزة وإنما أمام خاصية هيكلية هي طبيعة الطاعة فيها وعادة تنفيذ الأوامر دون تفكير ومواصلة الطاعة حتى في الحالات التي يتضح فيها ''جنون '' المنقذ أو الثمن الباهظ لسياسته لعدم وجود الآليات السلمية القانونية لرفع واجب الطاعة .
ومن ثمة الفكرة انه لا يجب في الديمقراطيات خاصة حديثة العهد تسليم الأجهزة التنفيذية لرئيس الدولة أو رئيس الحكومة وإنما إعارتها له لمدة ولايته وفي إطار الدستور .
وتكون الإعارة بخلق المحكمة الدستورية وتوسيع صلاحياتها حيث تؤدي الأجهزة خاصة العسكرية والأمنية قسم الطاعة أمامها لا أمام الرئيس . وفي حالة الانحراف يمكن للمحكمة الدستورية أن تحل الأجهزة من واجب الطاعة وان تأمر بإحالة سياسي اتضح فساده أو استبداده أمامها أو أمام محاكم الحق العام .
إن جعل استبداد الفرد بالقرار في أعلى مراكز القرار أمر على قدر كبير من الخطورة لتكوين العلاقة الجديدة التي نريدها بين الإنسان العربي والقانون ، لأن ما ننساه دوما أن كل الهياكل في المجتمع تعيد إنتاج نفس العلاقة الاستبدادية في كل مراكز القرار .
ففي أقسام المستشفيات وفي الإدارات العمومية وفي دور الصحف وفي المصانع ، تنظم السلطة كما تنظم في قصر الجمهورية ، أي ينتصب دكتاتور صغير يعيد تصرفات الدكتاتور الأكبر من الاستبداد بالقرار ورفض تقييم أعماله ومطالبة منظوريه بالولاء والخنوع وتوزيع فتات السلطة والمصلحة حسب هواه الخ .
والناس دوما على دين ملوكهم ومن ثمة فإن إخضاع رئيس الدولة للقانون وجعل هذا الأخير غير مشخص وربط تطبيقه بهيئة مستقلة ذات مصداقية من الضروريات الكبرى لإطلاق سراح ملايين الناس المكبلين في سائر التشكيلات الاجتماعية بعلاقة مهينة ومرضية مع قانون القوّة .
4-قانون يوصل الحقوق والحريات لأصحابها .
يفرغ المشرع العربي من كل مضمون ، الحريات والحقوق التي يضمنها الدستور مطلقا يد السلطة التنفيذية في تنظيم الحقوق بكيفية تجعله يتصرف بكل حرية في حقوق غير قابلة للتصرف .
فالحق غير قابل للتصرف بطبيعته أي انه لا يجوز منع حق الكرامة عن أحد أو تحديده أو إطلاقه في ظرف ومنعه في ظرف آخر إذ ليس لأحد مهما علا شأنه أن يتصرف بحرية في حقوق أقرها المشرع العالمي وهي مضمونة للجميع طول الوقت وعلى امتداد العالم .
وثمة من يصرخ في هذا الموضع من النصّ أن هذا يعني الفوضى والفردية المطلقة وضياع حقوق المجموعة .
وكل هذا الكلام كما تعوّدنا ، ترّهات تهدف إلى الحدّ من حقوق الأفراد والمجموعات على حدّ السواء.
ومن البديهي أنه لا توجد حرية في المطلق وحقوق في المطلق .لكن من يحد من الحرية لا يكون شخص أو نظام له الحرية في التصرف في الحرية .فثمة ضمانات داخلية للحد من الشطط في استعمال الحرية يضمن عدم التصادم المفتعل بين الفرد والمجموعة ، بين الحرية الفردية والسلامة الجماعية .
فلو نظرنا للحقوق الإنسانية كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لاكتشفنا أنها تحدّ بعضها بعضا بصفة طبيعية . فحقي في الرأي المضمون في الفصل 19، ليس حقا مطلقا لأن الفصل 12 يقول بصريح العبارة : ''لا يجوز تعريض أحد لحملات تمس سمعته وشرفه ولكل شخص الحق في أن يحميه القانون من مثل هذه التدخلات أو تلك الحملات ''.
ومعنى هذا أنني لا أستطيع تحت غطاء حرية الرأي أن أمس من شرف غيري لأن حقي ينتهي أين يبدأ حق الآخر
وهناك مستوى ثاني للحق في الرأي تكتشفه القراءة المرآتية للإعلان فالقول بحقي في الرأي يعني أنه يتعين على الفرد الآخر والسلطة والمجتمع أن لا تتعرضوا لحقي هذا أي أن حقي هو واجبهم وبنفس الكيفية فإنه من واجبي أن أحترم حق الآخر في الرأي وهكذا يمكن القول أن المواجهة بين الحق والواجب عملية مصطنعة هدفها التصرف في الحق باسم الواجب والحال أنهما وجهي نفس العملة .
ومعنى هذا أنه لا يوجد من وسيلة احسن لضمان الحقوق الجماعية قدر ضمان الحقوق الفردية لا لشيء إلا لأن المجموعة مكونة من أفراد ولأن كل حق يحيل على واجب وكل واجب يحيل على حقّ .
ولا يمكن للعلاقة الجديدة أن تنشأ طالما لم يتغلغل الاعتقاد بين الناس أن مهمة القانون تمكين الناس من حقوقهم وليس التضييق عليها بشتى الحيل كالصالح العام والطوارئ وضمان حقوق الدولة .
ولا مجال لتغيير الاتجاه العام للقانون غير التركيز على أن الحقوق غير قابلة للتصرّف وان لا يترك لوزير الداخلية حق تفسير الدستور بما يتماشى مع مصالح الدولة ولو كانت الدولة الديمقراطية .
ويعني هذا أن على الدستور أن يفصل ويدقق ويدخل في كل التفاصيل حول كيفية إيصال الحقوق لأصحابها على غرار الدستور الهندي حتى ننتهي مع العطاء باليد اليمنى والسحب باليد اليسرى .
5-قانون غير مطبوع بروح الانتقام .
إن الصبغة الإرهابية المبالغ فيها للقوانين وانتهاء الأغلبية الساحقة لفصولها بعقوبات بدنية ، جزء من سياسة الترويع التي تريد بها الأرستقراطية المخفية من جهة الانتقام من كل من يعارضها ومن جهة أخرى بث روح الخوف والخنوع والاستكانة في المجتمع .
ولا بدّ للقانون الذي نريده ركيزة للمجتمع الديمقراطي أن يخرج من هذه العقلية التي ملأت السجون دون أن تقضي على الجريمة في الوقت الذي غطى فيه التشدّد المفرط مع أبسط المخالفات على استفحال الجرائم الاقتصادية الكبرى.
إن العدل ليس الاسم الآخر للانتقام وإنما التعويض وإعادة التوازن لما اختلّ والعقاب واحد من مقومات التعويض والتوازن وليس العامل الوحيد ولا حتى أهمّها .
وبقدر ما يستبطن الناس أن القانون لا يعاملهم كقصّر وككائنات خطرة يجب ردعها بمنتهى الفضاضة والانتقام منها بأشد ما يكون الانتقام لاستتباب ''الأمن '' ، بقدر ما تتحقق شروط العدل الحقيقية .
إن عقلية المشرع العربي هي عقلية إرهابية تعتقد أن التخويف والتشدد يضمنان الوقاية من الجريمة وعدم الرجوع إليها والحال أن كل الإحصائيات والتجارب الدولية تثبت سذاجة هذه النظرة .
فالبلدان التي تطبق فيها عقوبة الإعدام بشدة متناهية مثل الصين والسعودية لم تشهد تراجعا في نسبة الجرائم التي يحكم فيها بالإعدام وإنما العكس .
وبالمقابل فإن بلدانا كثيرة ألغت عقوبة الإعدام ولم يؤدّي هذا إلى ''اغتنام ''الفرصة من قبل المجرمين لقتل الناس ففي مثل هذه البلدان نرى تراجعا مدهشا للجريمة وعلى رأسها الجرائم التي يحكم فيها عادة بالإعدام .
ولا غرابة في ذلك لأن الجريمة لا تتراجع لوجود قانون ترويعي وإنما لوجود ظروف موضوعية كارتفاع التعليم وانحسار البطالة والتمتع بالحرية الخ .
وفي غياب هذه المقومات فإن الترويع بالقانون لا يلعب إلا دورا هامشيا في التعامل مع ظاهرة الجريمة بل يكون عاملا من عوامل استفحالها عبر اكتظاظ السجون هذه الأكاديميات المجانية لتعلمها ونشرها .
ويعني هذا أن القانون الذي يجب أن يسند المجتمع الديمقراطي هو قانون مطبوع بعقلية الإصلاح والتعويض ، وذلك في سياق سياسة عامة، تحارب الظروف الموضوعية الكبرى للجريمة مثل الفقر والجهل والتهميش.
فلا بدّ من الحدّ بصفة جذرية من العقوبات البدنية لاستبدالها بعقوبات أخرى مثلا الغرامة المالية والجبر على العمل للمصلحة العامة و الجبر على الاعتذار العلني والتوبيخ العام وإيقاف الترقية
أما السجن فيجب أن لا يحكم به إلا عندما تشكل حرية التحرّك للمذنب خطرا حقيقيا وفعليا على الآخرين مثل الاغتصاب أو القتل أو الجريمة الاقتصادية الكبيرة التي تمس قوت الشعب .
وفي مثل هذه الحالة يصبح القانون في ذهن مواطني المجتمع الديمقراطي الصديق وليس العدو ، الحامي وليس المهدّد، عامل تقويم الاعوجاج وليس عامل زيادة الطين بلّة .
5-يطبّق على الجميع وفق مكيال واحد .
إن الفساد والخطأ وقلة الكفاءة هم في أي مجتمع كالأعشاب الضارة التي تنبت باستمرار. فحيث توجد السلطة والمال والطبيعة البشرية تنتج مفاعلات بالغة التعقيد ومتباينة النتائج ومن بينها دوما قدر أو آخر من الفساد .
ومعنى هذا أن علينا أن ننتظر وان نتوقع أن يوجد في المجتمع الديمقراطي إنتاج دائم ومتواصل للفساد والخطأ وقلة الكفاءة .
كلّ ما يجب أن تكون لنا آلة حصاد جاهزة وفعّالة لاقتلاع الأعشاب الضارة وهي تنمو حتى لا تأتي على الأخضر واليابس . والإشكالية طبعا أن من ينتج الجزء الكبر والخطير من الفساد يوجد في أعلى قمة الهرم وينتمي إلى ما أسميناه بالأرستقراطيات المخفية وهي عادة من تتدبر أمرها لتبقى هي ومن يخدمها فوق وخارج القانون .
لا شيء يعطي للقانون مصداقيته قدر شعور الناس بالمساواة المطلقة أمامه ولاشيء يعطيه المهابة والجدية قدر إيمانهم العميق بأنه الفيصل الذي يعلو ولا يعلى عليه .
وبالتالي تكون أولويّة الدولة الديمقراطية وضع الأرستقراطيات المخفية تحت الأضواء . فلا يفلت منه لا رئيس دولة فاسد ولا قاضي كبير ولا سياسي هام ولا مليونير يشغّل آلاف الناس ولا رئيس جهاز مخابرات أطلقت يده في حقوق الناس بحجة الدفاع عن المصالح العليا للدولة والحال أنها المصالح العليا للأرستقراطيات المخفية فيختفي من المجتمع مثل ''حاميها حراميها'' .
إن الضامن الأكبر لإعمال هذا المبدأ هو الممارسة الفعلية لحق الرأي فالصحافة الحرة وحدها قادرة على فضح تطبيق القانون بمكيالين وتسليط الأضواء على المناطق المظلمة .
إلا أن حتى هذا الضمان لا يكفي فلا بدّ للمواطنين أن يحرسوا حقهم في المساواة وذلك فرادى وعبر مؤسساتهم .
لقد طالبت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان على امتداد ربع قرن بالحق في التقاضي أي برفع الدعاوى أمام القضاء بخصوص تجاوزات أجهزة الأمن والضلوع الثابت لها في قضايا التعذيب . وبالطبع أصرت السلطة دوما على رفض هذا الحق الذي يجب أن تتمتع به كل الجمعيات في المجتمع الديمقراطي .
7- قانون موكول بتنفيذه إلى قضاء مستقلّ .
إن معركة الانتقال من استغلال القضاء إلى استقلال القضاء هي من أشرس المعارك التي تخوضها الحركة الديمقراطية العربية وذلك منذ انتصاب دولة الاستقلال الأول .
فهذا القضاء المستغل كان ولا يزال أداة الظلم بالقانون ليس فقط في القضايا السياسية وإنما في كل القضايا التي تمس مصالح الأرستقراطيات المخفية .
إن رئاسة المجالس القضائية من قبل رئيس الدولة وجعل مصير القضاة في أيدي وزير العدل من أسباب الكارثة التي أصابت القانون ككل والقضاء بصفة خاصة أوصلته إلى الحضيض الذي وصل إليه كأداة للانتقام السياسي والترويع الاجتماعي .
وقد استشرت القناعة اليوم داخل المجتمع أن الجهاز القضائي بحاجة إلى إصلاحات جذرية منها الإجراءات الجزائية فهؤلاء القضاة الذين حكموا على امتداد عهود بالسجن والإعدام على أبرياء أحيانا بدون نص أو بتجاهل اتصال القضاء أو برفض ملاحظة آثار التعذيب الواضحة ، هم معرّة العدالة والقضاء والمجتمع . ولا بدّ من مسائلتهم بالقانون الذي خرقوه كلما تمكنت من دواليب السلطة القوى الديمقراطية .
وفي هذا الصدد فإن تقرير المجلس الوطني للحريات بتونس عن فساد القضاء ونشره قائمة بأسماء قضاة الظلم أمر على بالغ الأهمية ليشعر القضاة أنهم لم يعودوا جزءا من الأرستقراطيات المخفية التي تفلت من المساءلة والعقاب لمجرد صفتها .
لكن الأهمّ من هذا ردّ الاعتبار للقضاء والقضاة بجملة من التدابير التي تحسن وضعيتهم المادية ولا تتركهم عرضة للحاجة ومن ثمة لخطر الفساد . فقضية بالغة الخطورة مثل التمتع بالعدل لها ثمن ويجب أن يقبل المجتمع بدفعه فلا يمكن في أيّ مجتمع التمتع بخدمات من مستوى رفيع بأبخس الثمن .
وإلى جانب هذا الحافز المادي الذي لا فائدة في إنكار أهميته فإن التدابير الكبرى هي سياسية وتشريعية وتتمثل في سحب القضاء من تحت إشراف الجهاز التنفيذي وذلك بجعل الانتداب والتسمية والترقية والعقاب من مشمولات مجلس أعلى للقضاء منتخب من طرف القضاة أنفسهم وليس للسلطة التنفيذية أي موقع قدم فيه .
إن إعطاء القانون هذه الخصائص السبع بفضل الإرادة السياسية ووضع الآليات الكفيلة ببلورتها وحمايتها وتطويرها ومن شانه أن يخرجنا من قانون الغاب المقنع ليدخلنا قانون الحق .
إلا أن الضامن الحقيقي لاستتباب قانون الحق وتواصله وعدم تمييعه والتحايل عليه من قبل المكلفين بإعماله هو وعي المواطن ممثلا في شخصه أو في مؤسسات المجتمع المدني وتجنده للدفاع عن هيكل سياسي معرض للعطب والزيغ عن أهدافه ويبقى دوما صيدا سمينا يركض ورائه كل الطامعين في تجديد الأرستقراطيات المخفية .
ها نحن في لب إشكالية بالغة الأهمية وهي التي تحدّد في آخرة المطاف جدارتنا الفعلية والفاعلة في إرساء النظام الديمقراطي والتمتّع به .
إشكالية المواطنة :
إن اكبر ضامن لاستتباب النظام الديمقراطي وتجدده في مراحل هرمه وبعثه بعد انهياره هو المواطن الديمقراطي .
فلا مستقبل للديمقراطية إن لم تخلق هذا المواطن أي المواطنة الديمقراطية المبنية على علاقة لخصناها في شعار : أحرار ومسؤولون .
صحيح أن القانون الديمقراطي كما وصفناه يخلق هذا المواطن لكن المواطن الديمقراطي ضروري لخلق هذا القانون .
وهذه ليست حلقة مفرغة فلسفية وإنما حقيقة تاريخية .
لا بدّ لنخب وضعت أنفسها في خدمة عامّة الناس أن تضع دعامات الدولة الديمقراطية وهنا ينتهي دورها .
فإمّا يدخل عامة الناس حلبة الحرية والمسؤولية ليصبحوا مواطنين وإما يبقى الهيكل التشريعي الديمقراطي معلقا في الفضاء ينتظر أول عاصفة لينهار برمته .
يبقى أن نعرّف الآن ما هو المواطن الديمقراطي وما هي هذه المواطنة الديمقراطية التي تشكل الدعامات الصلبة التي تحمل المؤسسات الديمقراطية وتضمن بقاءها أطول وقت ممكن .
وحتّى نقدّر بعد الهدف الذي نروم الوصول إليه ، لا بدّ أن ننطلق من وضعية المواطنة داخل النظام الاستبدادي الذي نعيش تحت سيطرته والذي يشكّل هذا النصّ جزءا من المعركة المتواصلة والمتعدّدة الأوجه ضدّه .
وثمة كذب متواصل منذ نصف في لغتنا السياسية حيث تسمّي السلطة رعاياها مواطنين في إطار سياسة التمويه والتدجيل وخلط الأوراق كأن تسمي جمهورية دولة محكومة برئيس مدى الحياة له صلاحيات إمبراطور العصور الأولى للتاريخ ويترك البلاد وشعبها إرثا لابنه مثلما حدث ي سوريا ومثلما يستعدّ له اكثر من ''رئيس جمهورية '' عربي .
وحتى نفهم الهوة التي تفصل بين المصطلحات ومعناها الحقيقي لا بدّ من العودة إلى المعنى الأصلي للكلمة
فالمواطن مفهوم إغريقي نشأ وترعرع في ظلّ الممارسة الديمقراطية الأثينية واحسن من عرفه القائد الأثيني الكبير Pericles في القرن الخامس قبل الميلاد حيث يقول :
''نحن الأثينين الشعب الوحيد في العالم الذي يعتبر أن من لا يهتمّ بالشان السياسي ليس مواطنا صالحا وإنما مواطنا عديم الجدوى ''
إن تعريف المواطنة بهذا الشكل أمر بالغ الأهمّية لأنها تصبح فعلا وليست صفة . فلا يكفي أن يكون المرء من سكّان أثينا ليكون مواطنا حتى وإن كان الانتماء إلى أثينا شرطا ضروريا ، إذ لا بدّ من تحقيق شرط إضافي هو الفعل الحرّ الذي يصبح بموجبه ساكن المدينة مواطنا . هذا الفعل الحرّ هو المشاركة في صنع القرار بحيث لا يترك المرء مصيره ومصير عائلته بلده بين أيدي مجهولة تعيد صياغة ماضيه و تتحكّم في حاضره وترسم ملامح مستقبله .
وهنا يبرز نقاش ثانوي : هل من الضروري أن يكون هذا الفعل الحرّ الذي يدشّن المواطنة هو الانخراط في السياسة ؟
وهذا ما يقودنا إلى طريق متفرّع هو تعريف السياسة . وحتى لا نضيع في متاهات تبعدنا عن جوهر الموضوع فسنكتفي بالقول أن السياسة في مفهومها العام هي كل ما يهمّ المصير الجماعي وليست محدودة في لعبة الاستيلاء على السلطة وتصريفها والمحافظة عليها وهو المفهوم الضيّق الذي اصبح شائعا في أذهان الناس.
ومن هذا المنطلق يمكن فهم مقولة Periclés بأن الشخص عديم الجدوى ليس من لا يدخل في لعبة الصراع على السلطة وإنما من لا يشارك في الشان العامّ منكفئا على الشأن الخاصّ جاهلا أو متجاهلا العلاقة الوثيقة بين الشأنين .
وبالطبع فإن أعلى صيغة للمشاركة في الشأن العام هي المشاركة في السلطة التي تحدد مصير الفرد والمجموعة ككل .
لكن للسلطة أكثر من وجه ومن مستوى خاصة في عصرنا هذا الذي يشهد يوما بعد يوم توزّعها على اكثر من مركز قرار : الصحافة ، المنظمات غير الحكومية ، القضاء المستقلّ الهيئات الدولية ، رأس المال العالمي الخ .
فليكن تعريفنا للمواطن إذن أنه كل شخص يخرج من الدائرة الضيّقة للشان الخاص للانخراط بصفة حرّة وواعية في الشأن العامّ عبر أي مدخل وفي أي مستوى من مستويات هذا الشأن العام وذلك بغية المشاركة في جزء من الجهد الجماعي لنحت معالم المستقبل .
يبقى الآن أن نحدّد الظروف التي تخلق هذا المواطن. فالقول مثلا أن المواطنة في مجتمعنا اليوم كالكرامة حق مبدئي مجرّد سحاب لفطي يريد إخفاء الحقيقة وهي الشروط التي تتحقق عبرها والتي بدونها تبقى حقا افتراضيا يوهم الناس بتمتعهم به وهم بعيدون عنه بعد الماشي عن الأفق .
لنذكّر مثلا بشروط التمتع بوضعية المواطن في أثينا وكانت بالغة الصرامة منها أساسا أن تكون أثينيا ذكرا كهلا وحرّا
ولا بدّ من الانتباه لظاهرة تاريخية بالغة الأهمية لأنها تستطيع أن تتواصل في شكل جديد وهو أن المواطنين الأثينين الذين وضعوا أسس الديمقراطية الأثينية وعلى رأسهم Periclèsكانوا طبقة أرستقراطية بأتمّ معنى الكلمة . فالحقوق التي كانوا يمنحونها لأنفسهم لم تكن تمسّ إلا عشرة في المائة من سكّان أثنيا لتشكّل النساء والعبيد والأجانب وهم الأغلبية الساحقة الطبقة الدنيا .
وإنها لمفارقة لغوية وتاريخية غريبة أن مواطني أثينا في عصر Periclès شكلوا أول أرستقراطية ديمقراطية في التاريخ وان هذا النموذج لا زال حيّا يفعل فعله في المخيال الغربي وقد لا نستطيع نحن بدورنا تجنبه عندما نبني ديمقراطيتنا .
والسؤال الآن : ما هي الشروط الموضوعية العصرية للتمتع بالمواطنة بما هي إذن قدرة الخروج من فلك الشان الخاص وفهم ارتباطه الوثيق بالشان العامّ .
وما من شكّ أنه لا بدّ من حدّ أدنى من الموارد المالية حتى لا يستحوذ الشان الخاص على كل مشاغل المرء . فالفقر المدقع الذي يحبر الناس على الجري وراء لقمة العيش يتماشى دوما مع الجهل والاغتراب .وفي مثل هذه الظروف فإن التدخل الوحيد في الشان العام هو ذلك الذي يقع إبان عمليات التمرّد الانفجاري في شكل مظاهرات المطالبة بالخبز والتي تقمعها الأرستقراطيات المخفية بسهولة .
ومن نافل القول أن التدخل السلمي المتواصل هو ما نطلبه لتتحقق صفة المواطن وهذا يتطلب شروطا إضافية أخرى منها الحد الأدنى من حرية تبادل الأخبار الأفكار لبلورة البدائل والدفاع عنها والحد الأدنى من حرية التنظم وحرية التظاهر وحرية الترشح و الانتخاب .
وعلى ضوء هذه الشروط التي تخلق المواطنة الحقيقية يمكننا الآن أن نسلّط الضوء على المجتمع العائش في ظلّ الاستبداد لنسأله كم فيك من مواطنين ؟
وآنذاك سنكتشف أربع طبقات يوجد فيها المواطنون بنسب تتصاعد من الصفر في المائة إلى وحدات بسيطة .
1- الطبقة الدنيا وهي التي نجد فيها أناس حرمهم الفقر والجهل من كل كرامة ومساواة وأقصتهم قسوة الحرمان الذي يتخبطون فيه عن كل اهتمام بالشان العام . وهم يحيون في ظل المهانة والإذلال يقودهم العمدة لاستقبال الضيف القادم من العاصمة والتصفيق الحاد له عند الإشارة ، ويقودهم المعتمد يوم التصويت كالسائمة ، ليختاروا بين نعم ونعم ، يصوتوا لمجهول لا يهمه من مصيرهم شيء .
2- الطبقة الوسطى التي لها من الظروف المادية والتربوية ما يسمح بالتمتع بالحد الأدنى من الكرامة والمشاركة في الشان العام ، لكن القمع و الخوف واستحواذ الحزب الحاكم على الفضاء العام ، أبعدها عنه فانغلقت على مشاكلها الشخصية أو على مشاكل تافهة ككرة القدم التي ضخمت عن قصد لتلهي الناس .
3- طبقة انتهازية تستعمل الشان العام ، في إطار حزب السلطة ، لتحقيق مصالح الشأن الخاصّ والحال أن عطاء بالأساس وليس بحثا عن جزء من لحم الوطن يمكن
غرس الأسنان فيه . ومن البديهي أن كل من تجنّدهم السلطة الاستبدادية لاحتلال المواقع في أحزابها ومنظماتها ليسوا مواطنين حتى وإن اهتمّوا بالشأن العام لأن فعلهم
ليس حرّا وإنما هم خدم وحشم للأرستقراطيات المخفيّة .
4-طبقة مسيّسة قليلة العدد تحاول المشاركة في الشأن العام عبر الانخراط في الأحزاب السياسية او منظمات المجتمع المدني من موقع الاستقلالية والمعارضة ، فإذا بها تدفّع ثمنا باهظا كعقاب لها وكتحذير لبقية الطبقات .
وهكذا لا نجد مواطنين إلا على مستوى هذه الشريحة الاجتماعية القليلة العدد .
أمّا الأغلبية الساحقة من السكان فهم رعايا غير واعين بأنهم تحت حراسة الارستقراطيات المخفية مثلما تكون قطعان الماشية تحت حراسة الذئاب .
أذا كانت هذه هي التركيبة الفعلية للمجتمع الاستبدادي فإن هشاشة فترة التحول الديمقراطي تبدو جلية واضحة للعيون .
فالانتقال يقع عادة لا بضربة ساحر تغّير جلّ السكان إلى مواطنين بالمفهوم الذي حدّدناه وإنما يقع بفعل نخبة مناضلة تفرض قواعد اللعبة الجديدة لكنها تواجه بمجتمع نحتته قرون من الاستبداد .
ومن البديهي ان دور الديمقراطيين الرواد هو ''خلق '' أكبر عدد م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هل نحن أهل للديمقراطية ؟ تابع
» هل نحن أهل للديمقراطية ؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي للعلوم القانونية :: محاضرات :: محاضرات-
انتقل الى: