الفكر السياسي الإسلامي
افرز الصراع الهادء أحيانا والعنيف احيانا اخرى، إبان العصور الوسطى مرجعيات وتوابت تمثلت في القاسم المشترك بين المجتمعات الغربية المسيحية وهي العلمانية والليبرالية و الديمقراطية .
وقد ساهم في هذا التحديد ، طبيعة الدين المسيحي من جهة ونضج المفكرين الغربيين و وعي المجتمع الغربي المسيحي ، ليفصل بين الدين والدنيا ، أو الدين والدولة أو السياسة الأمر الذي إستعصى على المفكرين الإسلاميين ، إذ أن التساؤلات والإشكاليات التي طرحت ابان القرن السابع مطروحة إلى اليوم ، ومازال التدخل المبهم بين الديني والسياسي يطرح عدة اشكاليات وتساؤلات
إن أهمية الموضوع تكمن في محاولة الإجابة على أسئلة سايرت أزمنة فارطة دون إيجاد حل لها ، لحساسيته تارة ، وتارة أخرى الخوف من المس بالمقدس إن طرح أسئلة مثل هل الخلافة نظام ديني أو دنيوي وحدود كليهما لا يمسان بقدسية الإسلام ، ولا تنقص من شأن الدولة التي أسسها السالفون ، فما هو مفهوم السياسة في الإسلام ؟ وما علاقتها بالدين ؟ وأين ينتهي الشرع ويبدأ العقل ؟ الإجابة على هذه الأسئلة سيحذت إجتماعا بين المسلمين لا محالة في كل الأقطار، وسيقضي على النزاع والترشدم . الذي أضحى واضحا من خلال الطائفيات ، المتناحرة ، كل هذا لن يأتي إلا بالتعرف على الفكر السياسي من خلال الجهابدة المنظرين كابن اي ربيعة والقارايي والماوردي وابن خلدون
لأجل هذا ارتأينا مناقشة هذه الأفكار من خلال التصميم التالي :
المطلب الأول : التيارات التاريخية
المطلب الثاني : الإجتهادات الفقهية
المطلب الثالث : ابن خلدون
المطلب الأول : التيارات التاريخية
الفكر السياسي يعكس اوجه الثقافة في الحضارة التي يمثلها ، وهو كل نشاط عمل والمدرسة الإسلامية اكملت الرسالة الإنسانية حقبة 23 سنة (حياة الرسول (ص ) تدوين السنة) هذا الفكر يبقى من جيل إلى جيل لمدة 15 قرنا ، ويختلف المنظور الإسلامي لينابيع الفكر السياسي عن الينابيع الحضارية الأخرى . من كونه دائما فكر ملتزم ، حيث ينطلق من الإسلام ليعود إليه وهو ليس محايد ،إذ لا محور سوى الكتاب والسنة وهو فكر أمة ملتزمة ومناضلة (كنتم خير أمة أخرجت للناس ..)
نتيجة هاته الأفضلية ، أفضلية خير امة تامر بالمعروف وتنهي عن المنكر، برزت تيارات تاريخية جاءت كنتيجة لشروح القرآن والسنة . وذلك على ساحة القتال . وهذه التيارت سنية ، خاريجية ،شيعية ، هي عناوين لملامح قتالية ،وتقاتلت فيما بينها حيث اضحت الأفكار الإسلامية لا تجسد أو تخرج إلا من ساحة القتال.
إن تاريخ الخلفاء الراشدين كان تاريخ صراع ، فعلي إبن أبي طالب شب على الإسلام. أما معاوية فدخل الإسلام بعد إنهزام أتباع أبي سفيان ، واضحت الحرب بين على ومعاودية حربا موضوعية أشعلت لهيبها الحمية والعصبية . وتجلت في معركة صفين ، ليبرز الخوارج والمناصرون (الشيعة) ، وتكونت فرق لاحد لها بعضها متشددة و مغالية إلى تسخير الأحاديت السياسية " الموضوعة" حول الخلافة لخدمة أعراضها السياسية المذهبية .
وارتكزت الشيعة على مجموعة من الأحاديث رفضها أهل السنة تيار الخلافاء الراشدين وانتقد الأخيرون كذلك من طرف الخوارج أو التيار الخارجي (الأزارقة)وكذلك المذهب الشيعي الذي يتشيع لأهل الرسول (ص) على بن أبي طالب.
وهناك تياران مهمان لم ينتشران : التيار الفلسفي : فالمسلمون تاتروا بالفكر الإغريقي ودرسوا المدينة الفاضلة (اليوطوبيا الإسلامية) كالفرايي إبن سينا إبن باجة إبن رشد ويمكن تسميتهم بالفلاسفة المشائين و إعتبار هذا التيار تيارا نوعيا يأخد إتجاه الفلاسفة ،وهناك تيار أخر أكثر تورية ، وارجع السياسة مجرد مرأت المجتمع وهو تيار إبن خلدون الذي يقول البيعة ميزان قوة في المجتمع ، فالقضية قضية عصبية والتي هي حقيقة المجتمع.
المطلب الثاني : الإتجاهات الفقهية
يشكل إبن خلدون إنقلابا في الفكر السياسي ، حيث أسس رأيه على قواعد ، علمية ، فالدين والأخلاق لا وجود لهما في الفكر الخلدوني بينما الهدف سياسي محظ وقبل التطرف إلى الفكر الخلدوني لا بد من نبذة مبسطة عن مفكرين أخرين سبقوه .
إبن الربيع :
أول مفكر سياسي إسلامي له مؤلف (سلوك المالك في تدبيرالممالك ) تاثر بأفلاطون ويرى أن الدولة نتاج احتياج طبيعي والإنسان حيوان عاقل ، والشر عنده ثلاتة انواع شر يقع من النفس علاجه السلوك الحميد وشر يقع من أهل المدينة علاجه التمسك بالقوانين والشرائع ، وشر يقع من خارج المدينة علاجه بناء الأسواروالتسلح ، اما اركان الدولة فهي الملك القوي الغني الذكي العادل والرعية عنده اقسام ، حكماء وعلماء ، وذو أنساب وارباب
الحروب وعمار الأسواق ، وسكان القرى ، ولا بد للملك من أعوان مخلصين أهمهم الوزير العالم
إن أفكار إبن الربيع هي أفكار تعبر عن تأتره باليونان وبالعصر الذي عايشه عصر (حكم المعتصم)
الفارابي :
امتاز بحياة الزهد، واتقانه لعدة لغات ، هو من أب فارسي و أم تركية له مصنفات عديدة منها ارأء أهل المدينة الفاضلة ،وتحصيل السعادة ، تأنر فكرة بعاملين حالة الفوض وعدم الإستقرار في عصر المعتمد وبالأفكارالأفلاطونية حيث إعتبر الفضائل العملية والفكرية شرط لإصلاح الأمة و إعتبر السياسة الفلسفية الأرفع بين الفلسفات ، وكسابقيه قال بأن الإنسان إجتماعي بطبعه و أقربتعدد المجتمعات بين الكاملة والناقصة و أفضلها المدينة الفاضلة ،وأرجع إختلاف الأمم إلى الطبيعة الجغرافية والخلق الطبيعية وهو صاحب النظرية العضوية أي أن المدينة الفاضلة مثلها مثل الجسم الصحيح.
المواردي :
فقيه شافعي عالم من علماء الإسلام ورجل من رجال السياسة ، تولى منصب الفقهاء في بلدان كثيرة، خدم في قصور البويهيين إبان الخلافة العباسية شبه المفككة من كتبه في مجال السياسة (كتاب قوانين الوزراء وسياسة الملك ، وكتاب نصيحة الملوك...) مثل سابقية أقر بإحتياج الإنسان لغيره غير انه أوزع العوز إلى أسباب دينية والإحتياج عنده إحتياج فطري(إلى الله) وإحتياج طبيعي (إلى الإنسان)هذان الإحتياجين هما الدافع إلى تكوين الدولة التي لا بد لها من دين متبع ، سلطان قاهر ، عدل شامل ، أمن عام ، خصب دائم ، امن فسيح رأى في الإمامة الأصل و أشار إلى إختلاف جماعات المسلمين حول تنظيم الإمامة وشروطها وموجباتها (العقل أو الشرع)ولا بد عنده كذلك مثل سابقيه بأعوان أوفياء على رأسهم الوزير
المطلب الثالت : إبن خلدون
أشهر علماء وفلاسفة الإسلام ولد بتونس ، عاصر الأحداث الجسام التي عرفتها بلاد شمال إفريقيا والأندلس ، إنخرط في الحياة السياسية (كتابة العلامة في عهد إبن تافراكين، تم عضوا في المجلس العلمي بفاس في عهد السلطان أبي عنان 755هـ الذي سجنه بعد ما علم بمحاولة هروبه وولائه لأمير بجاية المخلوع ثم تقلد مناصب متتالية إبان عهد خلفاء وسلاطين ، الأمر الذي خول له دراية بكنه السياسة ودراستها إنطلاقا من ماهو كائن وليس مما يجب أن يكون مؤلفاته منها.. المقدمة، العبر، التصريف.. )
الضرورة الحياتية عنده هي الدافع نحو الإجتماع البشري و الأصل هو البدو ، الذي يتحول إلى المدن ..
لقد ضل إلتصاق الأخلاق بالسياسة زمنا طويلا وجاءت الأديان لتاكيد ذلك ، وأنبتقت الخلافات من الأخلاق ، وكان التيار الخارجي يدافع عن طهارة المثل الأخلاقية ، والتيار الشيعي بنفس الرأي ، و السنة كذلك ، ليأتي إبن خلدون في القرن الخامس عشر بمسألة جديدة ، حيت أسس علما جديدا سماه " العمران البشري " وبين ان نظام الحكم ليس ناتج عن ترجمة المثل العليا إلى الواقع ، وقال أن الحكم يعكس جدلية القوة في المجتمع ، التي تهيمن إقتصاديا وإجتماعيا وبالتالي سياسيا .
لقد تحدت إبن خلدون بلغة عصره "قرن 14 و 15 " ولم يقل أن هذه القوة هي قوة البروليتاريا مع ماركس ، بل بين أن مجمل التاريخ السياسي في المغرب مثلا هو صراع القبائل ، و أن الدولة ليست نتيجة الحرص على الخلاق
من وراء المشاهدة الحسية لابن خلدون تجربة المغرب والجزائر ومصر (القاهرة) يرى إبن خلدون ان القضية ليست قضية مبايعة أو أخلاق و إنما قضية عصبية ،فالتاريخ دائري، إذ يتصارع البدو لتظهر قوة مسيطرة تاخد بزمام الأمور وتأفل وتندحر بعد إزدهار وتصبح فريسة لقوة أخرى وهكذا دواليك ، والمجتمع ليس كلا متناسقا ولكن متركب من أجزاء متناقضة .
إبن خلدون فيلسوف مؤسس علم الإجتماع يرى أولا أن كل نظام فلسفي لا بد له من مسلمة ، ومسلمته أن الله موجود ، و بإعتباره الموجود الحقيقي فكل ماهو موجود هو منه ، وبالتالي هو الخالق الوحيد ، خلق العالم بقوانين وخلق لنا عقلا لنراقب هذا العالم ومن تم السياسة هي إنعكاس لميزان القوة في المجتمع ، هذا المجتمع تحدده محنة العيش (الإقتصاد حاليا ) فطبيعة الظروف الإقتصادية هي التي تكون طبيعة أشياء الجمالية والأخلاق ، والأخلاق عملية عابرة ليست مطلقة ،إذ الإنسان في تجمعه محكم بقانونين أساسيين ،مدني بطبعه في إطار التعايش ، وغريزي عدواني في إطار التملك والسيطرة.
خلاصة :
يمثل الفكر الإسلامي عامة والخلدوني خاصة تورة شاملة على المفاهيم السابقة ، إذ السلطة السياسية ليست إلا إنعكاسا للسلطة الحقيقية في المجتمع ، من هذا المنطلق يتضح أن مضامين أفكار إبن خلدون أوسع من تعابيره ويتضح أيضا أن الصراع حتى لو أخد أشكالا دينية فقهية في ظاهره إنما هو صراع سياسي في باطنه من أجل السيطرة والتملك .
المرجع :
إبراهيم أبراش ، تاريخ الفكر السياسي 1999